التخطي إلى المحتوى الرئيسي

فوق النخل..

” الساخر كوم ”

السواقي القديمة تذكرني بمغامرات وصول الماء إلى فم العطش , إلى ابتهال النخل تحت عبوس الظهيرة. والضفادع الصغيرة المتزحلقة فوق أكوام الطين المصفوف على حدود البرسيم تذكرني بغضب “المطوع” عندما صرخنا ( أبو ذنيبة ) !. يهمس أكبرنا (الكتب لا تكذب إنها تتحدث ببرود عن خيال الكاتب) , يجتر المطوع غضبه ويملئ الهواء بالشتائم “المحللة” ونحن من وراءه نحاول التقاط “خامات” شتائمه وفن التدلي بين الحلال والحرام!. تتورم أقدامنا بعد صلاة العشاء ومن ثم ندهن “مشلـّـة” المطوع بالزيت كي لا تنكسر على أقدام العصاة المستقبليين. بعد أن فارقتنا الشمس لتسهر بعيداً عنا.. رأيت “الضفادع الغير مكتملة” تتسلق كرب النخل “لتسقط” في قاع السماء.. كنت أردد كل مساء ( هكذا ولدت المذنبات) , لم أبح بسري خوفاً من ” المشلـّـة” وخوفاً على المذنبات المهاجرة أن “تصعد” إلى الأرض لتواسي السواقي المهجورة.

أحسب أننا حين نرمي شعاراتنا القديمة ننسى جزء منا فيها.. أحسب أنني أفعل هذا وحدي.
التمرات المتأرجحة فوق الأفواه الجائعة لم تجد عالماً ليصنع من تراجيدية دورة حياتها قانوناً يكفر المؤمن به بقصة شبــح أغسطس أو ” جنيّ الخراف” ومع هذا تحيط تذكرة خلودها بالسكر علّ الجائع يتذكر أثناء المضغ قسوة “العبس”. أسترجع حديث صاحبي المجنون ( الحرف المشبوه سينتقم في كل سطر من القناعات المدجنة ). يحدث هذا أثناء هجوم بقرات المزارع الأخرى على حياض البرسيم.. والعصا المستنفر بيميني يحاول أن يعزيني بتمثيل دور ثعبان موسى ! وبعد أن يعجز العصا عن “بلع” البقر يعود إلى جموده الأول.. ولا يجوع هو بينما نحن “الوحوش الغير مكتملة” نهيم خارج حمى المزرعة هاربين من اللعنات المصلوبة على مدخل البيت.. يخدش صاحبي سكون الليل بهمهماته المحمومة ويهذي من جديد
_ يتجبرون حتى يغلقون على أنفسهم الدائرة.. هم العدو الأخطر والسبيل الوحيد للهلاك , حتى أنهم قبل أن يتركوا عوامل النسيان تنخر أنف الذاكرة يخطون عبارة ملغومة بحجة التأريخ لجنسهم , وبعد أجيال يؤلف التاريخ ” ملغوماً” ليفجر الدائرة من الداخل.
ومن ثم يفترش جوعه وخيالاته وينام , أما أنا فأعاين تدفق الصور الوحشية أمامي..محيلاً كل شيءٍ إلى
“واقع” !.أتحدث مقتدياً بصاحبي (قبل أن يصنع الإنسان “الإطار” فكر بحبس المخيلة .. ومن ثم حبس الضوء .. الإطار هو معتقل.. هو جدار عزل عـنـصـري لـلـضـوء ..!.) وأنـام حـتى تركـلـني الشـمـس مردداً غـداً يـومٌ آخــر , بالأمـس قـلتها وهاأنا أضـعها فوق الأمس لأصعد كاتباً( غداً يومٌ آخر). الهاربون فرادى يحتضنون وحدتهم أثناء الصعود السري في الشاحنات المغادرة.. ليتشاركوا آلاف النظرات المنهكة فيما بينهم , وحيداً كنت بين أكياس الثياب والخبز.. وحيداً كنت بين الأرواح المتبخرة.. وحيداً كنت أهتز لأثبت رداءة الدرب المؤدي إلى الإنسان. حتى صاحبي المتوسد كيس الحلوى المسروق يشاركني الاهتزاز.. أمسح الرعب الساكن قلبي هامساً (لست وحيداً).. وبعد أن تحجب كثبان الرمل منظر المزارع أتخيل أبو ذنيبة وهو يصعد النخل.. وهو يصعد السماء..

رحم الله الحقول المقدسة كيف استطاعت مقايضة أبنائها بلذة “الـشبع”..سامح الله التمـاثيل الإسمنـتية كيـف تشير إلى المعدمين دون بقية الأحياء… يخط المجنون عبارته الأخيرة ( الأحياء صنف نادر من الأموات..والحياة لا تشترى ولا تباع ,إنها تـسـتهـلـك فقط..) هـكـذا يحسبها وهو المتسلـل ليلاً إلى قاعها..حينها أسرح بعيداً حيث الأهل والديار والصداقات البريئة , أسرح حيث “اللامقابل” وعفاف الروح.. حيث لعنة الفقر والغنى ؛ لـعنة الحـرمان والحرمان من الحرمان , لعنة الندرة والكثرة صارخاً على طريقة رفيق دربي :
_جميع هذه اللعنات هي موصلة للتيار الكهربائي , جميعها تمتزج لتكتب
( الجوع والشبع طرفان يتوسطهما الذهب)

البـارع

Archived By: Crazy SEO .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة