” الساخر كوم ”
_ لن أضيع هذه اللحظات الجميلة بالتحليل الثقيل.
يقول صاحبه بنبرة يملؤها الحنين
_ انتقلنا إلى هذا البيت بعد أن ولدت أختي الصغرى .
الشعور بالغيرة يحاول إفساد هذه المزيج المعتدل النسب , فهو من يعتقد أن المؤامرة هي من جلبته إلى هذه البقعة , وسخرية الحياة هي من اخفت عن صاحبه أنه ولد في منزل الطين المقابل.. هاهو صاحبه يتحدث عن البيت الصغير المزدحم مرة أخرى.
يحدث نفسه وهو يتحسس الباب الخشبي :
_ أقسم بأني رأيت هذا المشهد من قبل..
يغوص أكثر في ذاكرته.. أخيراً يكتشف أن ذاك كان مقطعاً مشوهاً لا غير ..!.
كل هذا يحدث وصاحبه مازال يمجد ذكرياته القديمة
_ كان أبي يقول ( نحن في هذا البيت مثل ازدحام الدم في القلب..).
أخذت الغيرة تتحول ببطء إلى نوعٍ من الحسد , حتى النظرات المنفرة التي يرميها المارة تدلل أكثر على مقدار الكره الذي يكنه له المكان.
فجأة يتحول الهدوء إلى ضجيج .. إلى ألوف من الوجوه الغاضبة : ( لقد هربت.. خدعتك الدنيا.. أنت جبان! أنت جبان !). حتى نفسه تستصرخ رحمته : ( غادر المكان.. أهرب )
_ لا.. لن أهرب مرةً أخرى !.
يجفل صاحبه من صرخته الثائرة , ويصمت متأملاً علامات الخجل والتعب المرتسمة على وجهه. يسند ظهره على جدار الطين ويقول وقد ملأت التعابير الجنائزية وجهه
_ ذاك بيتنا.. وما زال “ينبض”..!.
يرتفع صوت المؤذن منقذاً الاثنين من هذا الموقف القاسي . يتنهد الأول ويتبعه الثاني بخشوع ( حقاً لا إله إلا الله). بعد الصلاة يمسك المشتاق بيد الهارب ويسير به في أحد الأزقة الضيقة , يقف قليلاً ويستكشف المكان بروية
_ انظر إلى هذا الجدار.. إقراء هذه العبارة.
يقترب الهارب أكثر ويقرأ ( إني هنا ومعي جذورُ طفولتي ** وكنوز أحلامي ومسكُ دَواتي).
تشل الصدمة حركته ويعجز عن النطق , يهزه صاحبه بقوة :
_ الحي يقرأ هذا البيت منذ عشر سنوات ! وأنت يا مسكين تعجز أن تسكنه !.
تذكر الهارب الآن هذا البيت الذي كتبه قبل أن يفكر بالهروب بساعات , تذكر حماقته وقسوته.
أجهش بالبكاء كالطفل وصاحبه مازال يهزه بعنف
_ جيد.. أنت تعرف البكاء على الأقل , تصورت بأنك رقم أو قيمة شرائية بليدة !.
يمد الهارب يده ويضعها على كتف صاحبه
_ أرشدني إلى البيت.. إني تائه.. أريد البيت..
يسير مع صاحبه حتى يصل إلى ذاك البيت الشعبي . يقف طويلاً ويطرق الباب..
يستدير فلا يشاهد صاحبه . بعد دقائق يفتح الباب , ويطل منه رجل مسن , يقبل الهارب يد والده ويبكي بين يديه…
هناك.. وأمام البيت “المزدحم” يقف المشتاق سائلاً نفسه بحسرة
_ يا ترى من يسكن هذا البيت..؟ وهل كان مزدحماً حقاً مثل ازدحام الدم بالقلب..؟.
Archived By: Crazy SEO .
تعليقات
إرسال تعليق